ابو النوري
02-25-2009, 03:14 PM
القناعة قد تكون على ثلاثة أوجه.
فالوجه الأول : أن يقنَع بالبُلْغَة من دنياه ، ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه . وهذا أعلى
منازل القناعة . وقال الشاعر :
إذا شئتَ أن تحيا غنيّاً فلا تكن = على حالةٍ إلا رضيتَ بدونها .
وقال مالك بن دينار : أزهد الناس من لا تتجاوز رغبتهُ في الدنيا بُلْغَته . وقال بعض الحكماء : الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف . وقال بعض الأدباء : يا رُبَّ ضيِّقٍ أفضل من سَعَةٍ ، وعناءٍ خيرٍ من دَعَةٍ .
وأنشد بعض أهل الأدب ، وذكر أنه لعليِّ بن أبي طالب – كرّم الله وجهه - :
أفادتني القناعةُ كلَّ عِزٍّ = وأيُّ غِنًى أعزُّ من القناعهْ
فصَيِّرْها لنفسكَ رأسَ مالٍ = وصيّرْ بعدَها التقوى بِضاعهْ
تَحَرَّزْ حينَ تَغْنَى عن بِخَيْلٍ = وتنعَّمْ في الجِنان بِصبْر ساعهْ .
والوجه الثاني : أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية ، ويحذف الفضول والزيادة . وهذه أوسط حال المقتنع . وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما من عبدٍ إلا بينه وبين رزقه حجابٌ ، فإن قَنِعَ واقتصد أتاه رزقه ، وإن هتكَ الحجاب لم يَزِدْ في رزقه )) .
وقال بعض الحكماء : ما فوق الكَفاف إسراف . وقال بعض البلغاء : من رضي بالمقدور قَنِعَ بالميسور . وقال البحتري :
تطلبُ الأكثرَ في الدنيا وقد = تبلغُ الحاجةَ منها بالأقَلِّ .
قال ابراهيم بن المدبّر :
إنَّ القناعةَ والعَفَا = فَ لَيُغْنيانِ عن الغِنى
فإذا صَبرتَ عن المُنى = فاشكرْ فقدْ نِلتَ المُنى .
والوجه الثالث : أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيراً ، ولا يطلب ما تعذّر وإن كان يسيراً . وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة ؛ لأنها مشتركة بين رغبة ورهبة . أما الرغبة ؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحتْ . وأما الرهبة ؛ فلأنه لا يطلبُ المتعذّر عن نقصان المادة إذا تعذّرت . وفي مِثله قال ذو النون رحمة الله عليه : من كانت قناعتهُ سَمينةً طابتْ لهُ كلُّ مَرَقةٍ .
وقال أبو حازم الأعرج : وجدتُ الدنيا شيئين : شيئاً هو لي لن أَعْجَلَهُ قبلَ أَجله ولو طلبتُهُ بقوّةِ السموات والأرض ، وشيئاً هو لغيري وذلك مما لم أنلْهُ فيما مضى ، ولا أنالُهُ فيما بقي ، يَمنعُ الذي لي من غيري كما يمنع الذي لغيري مني ، ففي أيِّ هذين أُفْني عمري وأُهلِك نفسي .
وقال أبو تمام الطائي :
لا تأخذوني بالزمان وليس لي = تَبَعاً ولستُ على الزمان كفيلا
مَن كان مَرْعَى عَزْمِهِ وهمومهِ = رَوْضَ الأماني لم يَزلْ مَهزولا
لو جارَ سلطانُ القُنوعِ وحُكمهُ = في الخَلْق ما كان القليلُ قليلا
الرزقُ لا تَكْمَدْ عليه فإنه = يأتي ولم تبعثْ عليه رسولا
وأنشد بعض أهل الأدب لابن الرومي :
جَرى قلمُ القضاء بما يكونُ = فسِيَّانِ التحركُ والسكونُ
جُنونٌ منكَ أن تسعى لرزقٍ = ويُرزَقُ في غِشاوتهِ الجنينُ
ونحن نسأل الله تعالى أكرم مسؤول ، وأفضل مأمول ، أن يُحسِن إلينا التوفيق فيما منح ، ويصرِف عنا الرغبة فيما منع ؛ استكفافاً لتبعات الثروة ، وموبِقات الشهوة . روى شريكُ بن أبي نَمِرٍ ، عن أبي الجِذْع ، عن أعمامه وأجداده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( خيرُ أمتي الذين لم يُعْطُوا حتى يَبْطروا ، ولم يُقْتِروا حتى يَسألوا ))
فالوجه الأول : أن يقنَع بالبُلْغَة من دنياه ، ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه . وهذا أعلى
منازل القناعة . وقال الشاعر :
إذا شئتَ أن تحيا غنيّاً فلا تكن = على حالةٍ إلا رضيتَ بدونها .
وقال مالك بن دينار : أزهد الناس من لا تتجاوز رغبتهُ في الدنيا بُلْغَته . وقال بعض الحكماء : الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف . وقال بعض الأدباء : يا رُبَّ ضيِّقٍ أفضل من سَعَةٍ ، وعناءٍ خيرٍ من دَعَةٍ .
وأنشد بعض أهل الأدب ، وذكر أنه لعليِّ بن أبي طالب – كرّم الله وجهه - :
أفادتني القناعةُ كلَّ عِزٍّ = وأيُّ غِنًى أعزُّ من القناعهْ
فصَيِّرْها لنفسكَ رأسَ مالٍ = وصيّرْ بعدَها التقوى بِضاعهْ
تَحَرَّزْ حينَ تَغْنَى عن بِخَيْلٍ = وتنعَّمْ في الجِنان بِصبْر ساعهْ .
والوجه الثاني : أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية ، ويحذف الفضول والزيادة . وهذه أوسط حال المقتنع . وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما من عبدٍ إلا بينه وبين رزقه حجابٌ ، فإن قَنِعَ واقتصد أتاه رزقه ، وإن هتكَ الحجاب لم يَزِدْ في رزقه )) .
وقال بعض الحكماء : ما فوق الكَفاف إسراف . وقال بعض البلغاء : من رضي بالمقدور قَنِعَ بالميسور . وقال البحتري :
تطلبُ الأكثرَ في الدنيا وقد = تبلغُ الحاجةَ منها بالأقَلِّ .
قال ابراهيم بن المدبّر :
إنَّ القناعةَ والعَفَا = فَ لَيُغْنيانِ عن الغِنى
فإذا صَبرتَ عن المُنى = فاشكرْ فقدْ نِلتَ المُنى .
والوجه الثالث : أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيراً ، ولا يطلب ما تعذّر وإن كان يسيراً . وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة ؛ لأنها مشتركة بين رغبة ورهبة . أما الرغبة ؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحتْ . وأما الرهبة ؛ فلأنه لا يطلبُ المتعذّر عن نقصان المادة إذا تعذّرت . وفي مِثله قال ذو النون رحمة الله عليه : من كانت قناعتهُ سَمينةً طابتْ لهُ كلُّ مَرَقةٍ .
وقال أبو حازم الأعرج : وجدتُ الدنيا شيئين : شيئاً هو لي لن أَعْجَلَهُ قبلَ أَجله ولو طلبتُهُ بقوّةِ السموات والأرض ، وشيئاً هو لغيري وذلك مما لم أنلْهُ فيما مضى ، ولا أنالُهُ فيما بقي ، يَمنعُ الذي لي من غيري كما يمنع الذي لغيري مني ، ففي أيِّ هذين أُفْني عمري وأُهلِك نفسي .
وقال أبو تمام الطائي :
لا تأخذوني بالزمان وليس لي = تَبَعاً ولستُ على الزمان كفيلا
مَن كان مَرْعَى عَزْمِهِ وهمومهِ = رَوْضَ الأماني لم يَزلْ مَهزولا
لو جارَ سلطانُ القُنوعِ وحُكمهُ = في الخَلْق ما كان القليلُ قليلا
الرزقُ لا تَكْمَدْ عليه فإنه = يأتي ولم تبعثْ عليه رسولا
وأنشد بعض أهل الأدب لابن الرومي :
جَرى قلمُ القضاء بما يكونُ = فسِيَّانِ التحركُ والسكونُ
جُنونٌ منكَ أن تسعى لرزقٍ = ويُرزَقُ في غِشاوتهِ الجنينُ
ونحن نسأل الله تعالى أكرم مسؤول ، وأفضل مأمول ، أن يُحسِن إلينا التوفيق فيما منح ، ويصرِف عنا الرغبة فيما منع ؛ استكفافاً لتبعات الثروة ، وموبِقات الشهوة . روى شريكُ بن أبي نَمِرٍ ، عن أبي الجِذْع ، عن أعمامه وأجداده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( خيرُ أمتي الذين لم يُعْطُوا حتى يَبْطروا ، ولم يُقْتِروا حتى يَسألوا ))