ابو النوري
02-27-2009, 07:18 PM
قال جعفر بن محمد الأنماطي :
لما دخل المأمون بغداد وقر بها قراره ، أمر أن يدخل عليه من الفقهاء والمتكلمين وأهل العلم
جماعة يختارهم لمجالسته ومحادثته ، وكان يقعد في صدر نهاره على لبود في الشتاء وعلى
حصير في الصيف ، ليس معها شيئ من سائر الفرش ، ويقعد للمظالم في كل جمعة مرتين ، لا
يمتنع منه أحد ..
و أختير له من الفقهاء لمجالسته مئة رجل ، فما زال يختارهم طبقة بعد طبقة حتى حصل منهم
عشرة ، وكان منهم أحمد بن ابي داوود ، وبشر المريسي ، وكنت أحدهم ..
فتغدينا يوما عنده فظننت أنه وضع على المائدة أكثر من ثلاث مئة لون ، فكلما وضع لون نظر
المأمون إليه ، فقال : هذا يصلح لكذا ، وهذا نافع لكذا ؛ فمن كان منكم صاحب بلغم ورطوبة
فليتجنب هذا ، ومن كان صاحب صفراء فليأكل من هذا ، ومن كان قصده قلة الغذاء فليقتصر
على هذا ..
فوالله إن زالت تلك حاله في كل لون يقدم ، حتى رفعت الموائد .
فقال له يحيى بن أكثم : يا أمير المؤمنين ؛ إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته !
أو في النجوم كنت هرمس في حسابه ! أو الفقه كنت علي بن أبي طالب في علمه !
أو ذكرنا السخاء فأنت فوق حاتم في جوده ! أو ذكرنا صدق الحديث كنت أبا ذر في صدق
لهجته ! أو الكرم كنت كعب بن مامه في إيثاره على نفسه !
فسر بذلك الكلام ، وقال : يا أبا محمد ؛ إن الإنسان إنما فضل على غيره من الهوام بفعله
وعقله وتميزه ، ولولا ذلك لم يكن لحم أطيب من لحم ، ولا دم أطيب من دم !
لما دخل المأمون بغداد وقر بها قراره ، أمر أن يدخل عليه من الفقهاء والمتكلمين وأهل العلم
جماعة يختارهم لمجالسته ومحادثته ، وكان يقعد في صدر نهاره على لبود في الشتاء وعلى
حصير في الصيف ، ليس معها شيئ من سائر الفرش ، ويقعد للمظالم في كل جمعة مرتين ، لا
يمتنع منه أحد ..
و أختير له من الفقهاء لمجالسته مئة رجل ، فما زال يختارهم طبقة بعد طبقة حتى حصل منهم
عشرة ، وكان منهم أحمد بن ابي داوود ، وبشر المريسي ، وكنت أحدهم ..
فتغدينا يوما عنده فظننت أنه وضع على المائدة أكثر من ثلاث مئة لون ، فكلما وضع لون نظر
المأمون إليه ، فقال : هذا يصلح لكذا ، وهذا نافع لكذا ؛ فمن كان منكم صاحب بلغم ورطوبة
فليتجنب هذا ، ومن كان صاحب صفراء فليأكل من هذا ، ومن كان قصده قلة الغذاء فليقتصر
على هذا ..
فوالله إن زالت تلك حاله في كل لون يقدم ، حتى رفعت الموائد .
فقال له يحيى بن أكثم : يا أمير المؤمنين ؛ إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته !
أو في النجوم كنت هرمس في حسابه ! أو الفقه كنت علي بن أبي طالب في علمه !
أو ذكرنا السخاء فأنت فوق حاتم في جوده ! أو ذكرنا صدق الحديث كنت أبا ذر في صدق
لهجته ! أو الكرم كنت كعب بن مامه في إيثاره على نفسه !
فسر بذلك الكلام ، وقال : يا أبا محمد ؛ إن الإنسان إنما فضل على غيره من الهوام بفعله
وعقله وتميزه ، ولولا ذلك لم يكن لحم أطيب من لحم ، ولا دم أطيب من دم !