ابو النوري
04-05-2009, 12:57 PM
قال بعض أهل البادية :
كان لابي المحلق ( المحلق لقب عبد العزى بن حنتم من كلاب بن ربيعة ، ولقب بذلك يوم عضه حصان في وجنته فترك بها أثراً على شكل الحلقة ) شرف ، فمات وقد اتلف ماله ، وبقي المحلق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وبردين كان يشهد فيهما الحقوق .
فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة ، فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء وأحسنوا قراه . ثم أقبلت عمة المحلق ، فقالت : يابن أخي هذا الأعشى قد نزل بمائنا ، وقد قراه أهل الماء ، والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ، ولم يهج قوما إلا وضعهم ، فانظر ما أقول لك واحتل في زق من خمر من عند بعض التجار ، وأرسل إليه بهذه الناقة والزق وبردي أبيك ، فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ، ونظر إلى عطفيه في البردين ، ليقولن فيك شعرا يرفعك به . قال : ما أملك غير هذه الناقة ، وأنا أتوقع رسلها ..
ثم أقبل يدخل ويخرج ويهم ولا يفعل ، فكلما دخل على عمته حضته ، حتى دخل عليها فقال : قد ارتحل الرجل ومضى . قالت : الآن والله أحسن ما كان القرى ؛ تتبعه ذلك مع غلام أبيك – وهو مولى له أسود شيخ – فإن لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إياه ، وأنك لما وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه ؛ فإن هذا أحسن لموقعه عنده . ولم تزل تحضه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمر ، وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه . ثم وجه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه ، فخرج يتبعه ؛ فكلما مر بماء قيل : ارتحل أمس عنه ، حتى صار الى منزله الأعشى بمنفوحة اليمامة ؛ فوجد عنده عدة من الفتيان قد غداهم بغير لحم ، وصب لهم فضيخا ؛ فهم يشربون منه . وقرع الباب فقال : انظروا من هذا ؟ فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا ؛ فدخلوا عليه وقالوا : هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت . فقال : ويحكم ! أعرابي والذي أرسل إلي لا قدر له ! والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعرا لم أقل قط مثله . فواثبه الفتيان وقالوا : غبت عنا فأطلعت الغيبة ، ثن اتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ ؛ واللحم والخمر ببابك ، لا نرضى بذا منك . فقال : ائذنوا له . فدخل فأدى الرسالة ، وقد أناخ الجزور بالباب ، ووضع الزق والبردين بين يديه ؛ فقال : أقره السلام ، وقل له : وصلتك رحم ، سيأتيك ثناؤنا ...
وقام الفتيان الى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها ؛ وجلدها عن سنامها ، ثم جاؤوا بهما ، فأقبلوا يشوون ، وصبوا الخمر فشربوا ، وأكل معهم وشرب ؛ ولبس البردين ؛ ونظر إلى عطفيه فيهما ؛ فأنشأ يقول
:
أرقت وما هذا السهاد المـؤرق = وما بي من سقم وما بي معشق
وفيها يقول :
نفى الـذم عـن آل المحلـق جفنـة = كجابيـة الشيـخ العراقـي تفـهـق
ترى القوم فيهـا شارعيـن وبينهـم = مع القوم ولدان مـن النسـل دردق
لعمري لقد لاحـت عيـون كثيـرة = إلى ضـوء نـار باليفـاع تحـرق
تشـب لمقـروريـن يصطليانـهـا = وبات على النار النـدى و المحلـق
رضيعي لبـان ، ثـدي أم تقاسمـا = بأسحـم داج عـوض لا نتـفـرق
ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه = كما زان متـن الهندوانـي رونـق
يـداه يـدا صـدق ، فكـف مبيـدة = وكف إذا مـا ضـن بالمـال تنفـق
وسار الشعر وشاع في العرب . فما اتت على المحلق سنة حتى زوج أخواته الثلاث ، كل واحدة
على مئة ناقة ؛ فأيسر وشرف...
كان لابي المحلق ( المحلق لقب عبد العزى بن حنتم من كلاب بن ربيعة ، ولقب بذلك يوم عضه حصان في وجنته فترك بها أثراً على شكل الحلقة ) شرف ، فمات وقد اتلف ماله ، وبقي المحلق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وبردين كان يشهد فيهما الحقوق .
فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة ، فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء وأحسنوا قراه . ثم أقبلت عمة المحلق ، فقالت : يابن أخي هذا الأعشى قد نزل بمائنا ، وقد قراه أهل الماء ، والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ، ولم يهج قوما إلا وضعهم ، فانظر ما أقول لك واحتل في زق من خمر من عند بعض التجار ، وأرسل إليه بهذه الناقة والزق وبردي أبيك ، فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ، ونظر إلى عطفيه في البردين ، ليقولن فيك شعرا يرفعك به . قال : ما أملك غير هذه الناقة ، وأنا أتوقع رسلها ..
ثم أقبل يدخل ويخرج ويهم ولا يفعل ، فكلما دخل على عمته حضته ، حتى دخل عليها فقال : قد ارتحل الرجل ومضى . قالت : الآن والله أحسن ما كان القرى ؛ تتبعه ذلك مع غلام أبيك – وهو مولى له أسود شيخ – فإن لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إياه ، وأنك لما وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه ؛ فإن هذا أحسن لموقعه عنده . ولم تزل تحضه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمر ، وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه . ثم وجه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه ، فخرج يتبعه ؛ فكلما مر بماء قيل : ارتحل أمس عنه ، حتى صار الى منزله الأعشى بمنفوحة اليمامة ؛ فوجد عنده عدة من الفتيان قد غداهم بغير لحم ، وصب لهم فضيخا ؛ فهم يشربون منه . وقرع الباب فقال : انظروا من هذا ؟ فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا ؛ فدخلوا عليه وقالوا : هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت . فقال : ويحكم ! أعرابي والذي أرسل إلي لا قدر له ! والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعرا لم أقل قط مثله . فواثبه الفتيان وقالوا : غبت عنا فأطلعت الغيبة ، ثن اتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ ؛ واللحم والخمر ببابك ، لا نرضى بذا منك . فقال : ائذنوا له . فدخل فأدى الرسالة ، وقد أناخ الجزور بالباب ، ووضع الزق والبردين بين يديه ؛ فقال : أقره السلام ، وقل له : وصلتك رحم ، سيأتيك ثناؤنا ...
وقام الفتيان الى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها ؛ وجلدها عن سنامها ، ثم جاؤوا بهما ، فأقبلوا يشوون ، وصبوا الخمر فشربوا ، وأكل معهم وشرب ؛ ولبس البردين ؛ ونظر إلى عطفيه فيهما ؛ فأنشأ يقول
:
أرقت وما هذا السهاد المـؤرق = وما بي من سقم وما بي معشق
وفيها يقول :
نفى الـذم عـن آل المحلـق جفنـة = كجابيـة الشيـخ العراقـي تفـهـق
ترى القوم فيهـا شارعيـن وبينهـم = مع القوم ولدان مـن النسـل دردق
لعمري لقد لاحـت عيـون كثيـرة = إلى ضـوء نـار باليفـاع تحـرق
تشـب لمقـروريـن يصطليانـهـا = وبات على النار النـدى و المحلـق
رضيعي لبـان ، ثـدي أم تقاسمـا = بأسحـم داج عـوض لا نتـفـرق
ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه = كما زان متـن الهندوانـي رونـق
يـداه يـدا صـدق ، فكـف مبيـدة = وكف إذا مـا ضـن بالمـال تنفـق
وسار الشعر وشاع في العرب . فما اتت على المحلق سنة حتى زوج أخواته الثلاث ، كل واحدة
على مئة ناقة ؛ فأيسر وشرف...