السؤال: ما مدى صحة: "قصة وأد عمر بن الخطاب لابنته"؟
الجواب
من المعلوم أنّ ظاهرة وأد البنات كانت منتشرة لدى بعض القبائل العربية، وقد أخبر القرآن الكريم بذلك عنهم، قال تعالى:"قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ" {الأنعام:140}، وقال تعالى: "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ" {التكوير:9{.
ولقد شاع على ألسنة الكثير من الخطباء والوعاظ أنّ عمر بن الخطاب كان قد وأد ابنته في الجاهلية، ولطالما سمعنا هذه القصة على المنابر وفي المحاضرات والمواعظ، وذرفت العيون واقشعرت الجلود، وخلاصة القصة: "أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه، إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله مَن حضر، فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة، فنعبده، ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية".
والعجيب أنّك تجد المرء من العوام لا يفقه من الإسلام شيئا ولا يحفظ من شرائعه أمرا إلاّ قصة وأد عمر لابنته!! والحقيقة المذهلة التي يتحمّل مسؤوليتها الخطباء والوعاظ أنّ هذه القصة باطلة وموضوعة وملفقة على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، والعجيب أنّه لا ذكر لها في كتب السنة والحديث أو كتب الآثار والتاريخ، ولا يعرف من مصادرها إلا ما يكذبه الرافضة الحاقدون من غير دليل ولا حجة.
وممّا يؤكد زيفها ووضعها:
أ.أنّه من المعلومأن أول امرأة تزوجهاعمر - رضي الله عنه - هيزينب بنت مظعونأختعثمانوقدامةفولدت لهحفصةوعبد اللهوعبدالرحمن الأكبركما جاء في البداية والنهايةلابنكثير:قال الواقدي وابن الكلبي وغيرهما تزوج عمر فيالجاهلية زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبروحفصة رضي الله عنهم. وكان ميلادحفصةقبلالبعثة بخمس سنين كما جاء في المستدرك وغيره عنعمررضيالله عنه قال:ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي صلىالله عليه وسلم بخمس سنين، ولهذا فهي أكبر بناتعمرفلماذا لم يقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بوأد ابنته حفصةرضي الله عنها وهي إبنته الكبري والتي تكنى بها أبا حفص؟، ولماذا يئد من هي أصغر منها؟ ولماذا انقطعت أخبار من وئدتفلم يذكرها أحد من أقاربها ولم نجد لها ذكرا في أبنائه؟ فقد سموا لنا جميعا وسميلنا من تزوجهنعمرفي الجاهلية والإسلام، ولم نقف فيمااطلعنا عليه من المراجع على شيء يوثق به في هذا الأمر. (انظر ترجمة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها في "الإصاب" للحافظ ابن حجر (7/582).
ب.لم يعرف في بني عدي الذين ينتسب إليهم الفاروق وأد البناتبدليل أن أخته فاطمة بقيت حية حتى تزوجت سعيد بن زيد ابن عم عمر بن الخطاب.
يقول الدكتور عبد السلام بن محسن آل عيسى: "وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية، ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر، ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه "عبقرية عمر" (ص/221)، وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة؛ لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب، وكذلك لم يشتهر في بني عدي، ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر، وحفصة أكبر بناته، وهي التي كني أبو حفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة..! ولماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها".
انظر: "دراسة نقدية في المرويات في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية".
ج.ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: وسئل عن قوله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) التكوير/8، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني وأدت ثماني بنات لي في الجاهلية. قال: أعتق عن كل واحدة منها رقبة. قلت: إني صاحب إبل. قال: (أهد إن شئت عن كل واحدة منهن بدنة) رواه البزار (1/60)، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/337) وقال الهيثمي: "ورجال البزار رجال الصحيح غير حسين بن مهدي الأيلي وهو ثقة" انتهى. "مجمع الزوائد" (7/283)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/3298)، يشير هذا الحديث – وهو من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه – إلى كفارة من وقع منه الوأد في الجاهلية، ولما لم يذكر عمر بن الخطاب عن نفسه ذلك، وإنما رواه من فعل قيس بن عاصم، دل على عدم وقوع الوأد المنسوب إليه رضي الله عنه.
والذي أراهأن هذه القصة من إختلاقالروافض، وعلى فرض صحتها، فالقصة لا تطعن بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، وليحذر الخطباء والوعاظ من رواية هذه القصة الملفقة على أمير المؤمنين عمر فيقعوا في عرضه من حيث لا يشعرون، وأرى أنّ من سبق وروى ذلك أن يبيّن عور هذه القصة وبطلانها فليس من العيب أن يخطيء الشخص ولكنّ العيب ألاّ يتراجع عن الخطأ، خصوصا وأنّ المسألة تتعلق بعرض صفوة الخلق بعد الأنبياء والرسل على الإطلاق!!