« إحياء ليلة النصف من شعبان » :
س115: قرأت في أحد الكتب أن إحياء ليلة النصف من شعبان بدعة من البدع، وقرأت في مصدر آخر أنه من الأيام التي يستحب الصيام فيها صباح ليلة النصف من شعبان، فما الحكم القطعي في ذلك؟
الجواب: لم يثبت في فضل ليلة النصف من شعبان خبر صحيح مرفوع يعمل بمثله حتى في الفضائل، بل وردت فيها آثار عن بعض التابعين مقطوعة، وأحاديث كثيرة أصحها موضوع أو ضعيف جدا، وقد اشتهرت تلك الروايات في كثير من البلاد التي يغمرها الجهل، مثل أنها تكتب فيها الآجال وتنسخ الأعمار... إلخ.
وعلى هذا فلا يشرع إحياء تلك الليلة، ولا صيام نهارها، ولا تخصيصها بعبادة معينة، ولا عبرة بكثرة من يفعل ذلك من الجهلة. والله أعلم.
« قضاء أيام التطوع » :
س116: نويت أن أصوم في أحد الأيام تطوعا لله، وفعلا عزمت على الصيام من الليل، وفي أثناء النهار أفطرت، فهل يجب علي قضاء ذلك اليوم؟
الجواب: اختلف العلماء في هذه المسألة:
فقيل: إنه يقضي ذلك اليوم الذي عزم على صيامه، وابتدأ فيه فقطعه لعارض أو عذر. وقيل: لا يقضي ذلك اليوم لأنه تطوع، وقد ورد أن المتطوع أمير نفسه؛ ودليل القول الأول حديث عائشة قالت:
«أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا طعام فاشتهيناه وأكلنا منه، فدخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه فقال: لا بأس، اقضيا يوما مكانه».
والراجح: أن القضاء يكون مستحبا؛ لأن أصل الصوم مستحب.
« عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان » :
س117: ما الأفضل: عشر ذي الحجة، أو العشر الأواخر من رمضان ؟
الجواب: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذا السؤال فقال: ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها؛ على ليلة القدر، وأيام عشر ذي الحجة أفضل؛ لاشتمالها على يوم النحر ويوم عرفة وأيام الحج.
« صيام عشر ذي الحجة » :
س118: هل يستحب صيام عشر ذي الحجة؟ وما آكد أيامه؟
الجواب: يستحب صيام عشر ذي الحجة وقد ورد في فضلها أحاديث، منها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام».
ومن العمل فيها صومها، وآكد هذه العشر يوم عرفة، وقد ورد في الترغيب في صيامه أحاديث، منها قوله -عليه الصلاة والسلام- : «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده».
فيسن صيام هذا اليوم لغير الحاج، فالحجاج يسن لهم الإفطار في يوم عرفة؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان مفطرا يوم عرفة.
قالت أم سلمة -رضي الله عنها- : « تمارى أناس عندي هل النبي -صلى الله عليه وسلم- صائم أم لا؟ فبعثت إليه بقدح من لبن، فناولوه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكب على ناقته، فأخذه وشربه».
وقد علل بعض العلماء سبب الإفطار في هذا اليوم بعدة تعاليل، منها:
1- أن الحجاج ضيوف الرحمن، ولا ينبغي للكريم أن يجيع ضيوفه.
2- كذلك لأن الصوم يضعف الحاج عن الأعمال التي يستحب له أن يعملها في مثل ذلك اليوم.
« حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام » :
س119: ما حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام ؟
الجواب: إفراد يوم الجمعة منهي عنه، وقد دل على ذلك السنة النبوية؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- : « لا تصوموا الجمعة إلا يوما قبله أو يوما بعده» ودخل -عليه الصلاة والسلام- مرة على جويرية وهي صائمة يوم الجمعة فقال: : « أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غدا؟ قالت: لا. قال: فأفطري» وذلك تأكيد للنهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام.
وقد علل بعض العلماء سبب النهي عن إفراده بالصيام فقالوا: إن الجمعة عيد الأسبوع، فكما أن العيد يحرم صومه، فكذلك عيد الأسبوع يكره إفراده بالصيام؛ لئلا يتوصل لتعظيمه بغير ما هو معظم به.
« إفراد شهر رجب بالصيام » :
س120: ما حكم إفراد شهر رجب بالصيام ؟
الجواب: يكره إفراد شهر رجب بصوم، وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة، ولكنها إما موضوعة أو ضعيفة، وأفردها بالجمع كثير من العلماء، ومنهم ابن حجر في كتاب له مطبوع اسمه (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب).
ولكن هناك دليل على أن لهذا الشهر فضيلة؛ ففي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الإكثار من صوم شعبان فقال: إنه بين شهرين كريمين، والناس يغفلون عنه .
تنبيه:
تخصيص رجب بالصوم أو تخصيصه بالاعتمار فيه، ويسمونها عمرة رجبية، أو تخصيصه بليلة تحيا تسمى ليلة الرغائب، وهي أول ليلة جمعة في رجب، أو تخصيصه بذبيحة تذبح فيه وتسمى العتيرة؛ كل هذا من البدع وليس لها أصل في دين الله.
« الإكثار من صيام شهر شعبان » :
س121: هل يستحب الإكثار من صيام شهر شعبان؟ وهل يجوز صوم آخره؛ لأنني قرأت حديثا في النهي عن صوم النصف الأخير من شعبان؟
الجواب: يستحب الإكثار من الصيام في شهر شعبان وقد ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
«كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام في شهر شعبان» وكانت- رضي الله عنها- تقول:
« كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان إلا قليلا» وهذا دليل على فضل الصيام في شعبان.
أما صيام آخره فقد ورد النهي عن صيامه في حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان » وقد أنكر بعض العلماء هذا الحديث وإن كان سنده صحيحا؛ واستدلوا على نكارته بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: « هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا. قال: فإذا صمت فأفطر يومين» وسرر الشهر أواخره التي يستتر فيها القمر، فدل هذا على أنه يتأكد الصيام في أول الشهر وآخره.
وقد ذكر العلماء أن الحكمة في الإكثار من صيام شعبان حتى يتهيأ المسلم لرمضان، أما النهي فقد ورد في وصل شعبان برمضان؛ لأن المسلم مأمور أن يميز شهر رمضان عن غيره؛ لذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفطر قبل رمضان بيوم أو يومين بقوله -عليه الصلاة والسلام- :«لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون صوم أحدكم فليصمه».
فالصحيح -إن شاء الله- أنه يجوز صوم آخر شعبان إلا اليومين اللذين قبل رمضان.
« إفراد صيام يوم بعينه لعذر » :
س122: بعض العمال ليس عندهم غير يوم واحد في الأسبوع يستريحون فيه، وهو يوم الجمعة، ويكون على بعضهم أيام من رمضان، فهل يجوز لهم أن يقضوها في هذا اليوم؟
الجواب: إذا كان ليس لهم إلا يوم الجمعة يستريحون فيه، جاز لهم أن يفردوه بالصيام للعذر؛ لأن الله -جل وعلا- قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [سورة البقرة، الآية: 286].
« يوم الشك » :
س123: ما هو يوم الشك؟ وهل يجوز صيامه ؟
الجواب: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، وهذا اليوم لا يجوز صيامه، وقد ورد في ذلك حديث عن سلمان -رضي الله عنه- قال: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم».
« صوم عيد الفطر أو عيد الأضحى » :
س124: هل يجوز صوم عيد الفطر أو عيد الأضحى ؟
الجواب: يحرم صوم العيدين -عيد الفطر والأضحى- لما ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: هذان اليومان -عيد الفطر وعيد الأضحى- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن صومهما، يوم فطركم من صيامكم، واليوم الذي تأكلون فيه من نسككم.
وقد علل بعض العلماء التحريم بعدة علل، منها أن هذين اليومين يومَا فرحٍ واغتباط بإكمال عملين، فيوم الفطر يوم فرح بإكمال الصيام، وعيد الأضحى يوم فرح بإكمال الأعمال التي تعمل في ذي الحجة.
« صيام يوم العيد محرم »:
س125: يقول -عليه الصلاة والسلام- : «من نذر أن يطيع الله فليطعه » فإذا نذرت أن أصوم يوم العيد فهل يجوز لي الوفاء بهذا النذر؟
الجواب: لا يجوز الوفاء بهذا النذر؛ وذلك لأن صيام يوم العيد محرم، وكذلك من نذر أن يصوم كل اثنين فوافق العيد يوم الاثنين لم يجز له الوفاء بهذا النذر، وقد جاء رجل إلى ابن عمر - رضي الله عنهما- فقال: إني نذرت أن أصوم يوم كذا فوافق يوم العيد. قال ابن عمر أمر الله بالوفاء بالنذر، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم العيد. فكرر الرجل السؤال وكرر ابن عمر قوله.
أما ابن عباس -رضي الله عنه- وغيره فقد أفتى أنه يصوم يوما بدله ولا يصوم يوم العيد؛ لأن صيامه محرم.
« يوم العيد أثناء كفارة الظهار » :
س126: ظاهرت من امرأتي، ولم أجد عتق رقبة، فصمت شهر ذي القعدة، ولما وصلت إلى اليوم العاشر من ذي الحجة قيل لي: لا يجوز لك صوم العيد، فهل أعيد الصيام لأن التتابع واجب؟
الجواب: من كان عليه صيام شهرين متتابعين كما هي حالة السائل، فوافق صيامه يوم عيد نقول: أفطر يوم العيد وصم يوما بدله، فإن التتابع واجب إلا في مثل هذه الحالة.
« حكم صيام أيام التشريق » :
س127: ما حكم صيام أيام التشريق ؟
الجواب: لا يجوز صيام أيام التشريق؛ لأن هذه الأيام أيام أكل وشرب، كما ثبت في صحيح مسلم عن نبيشة الهذلي -رضي الله عنه- : «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث دعاة في أيام التشريق ينادون في الناس: ألا إن أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل».
وثبت النهي عن صيامها في بعض طرق الحديث، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام- : « لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب» وأيضا في هذه الأيام يبقى شيء من لحوم الأضاحي والقرابين، فصيامها يؤدي إلى تعطيل الأكل من هذه اللحوم التي أباحها الله -تعالى- بقوله: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [سورة الحج، الآية: 28]. وقال -تعالى- : ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [سورة الحج، الآية: 36]. ولكن رخص في صيامها لمن لم يجد الهدي، ولزمه دم تمتع أو قران، فإنه يجوز له أن يصومها والحالة هذه.
« حكم من يصوم السنة كاملة » :
س128: ما حكم من يصوم السنة كاملة ؟
الجواب: ورد النهي عن ذلك، يقول -عليه الصلاة والسلام- : « لا صام من صام الدهر» وفي رواية: «لا صام من صام الدهر ولا أفطر» ؛ أي أنه لم يصم صياما يحصل به الامتثال ولا أفطر.
أما ما ورد عن بعض السلف أنه كان يسرد الصيام ولا يفطر إلا في الأيام المنهي عن صومها، فإنه من باب الاجتهاد.
فالصحيح أن صيام الدهر منهي عنه؛ لأن فيه شيئا من الضيق والضرر على النفس.
« لا نقص في صيام رمضان لمن لم يصم الست من شوال » :
س129: هل صيام الست من شوال أمر لا بد منه ولا يكتمل أجر صيام رمضان إلا بإتباعه تلك الأيام الستة؟
الجواب: صيام هذه الستة من شوال سنة ورد فيها عدة أحاديث صحيحة، كقوله -صلى الله عليه وسلم- : «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» ؛ لذلك استحبها الجمهور، ولم يقل أحد إنها فريضة، بل هي سنة، من أحب الفضل صامها، ومن شاء تركها، ويجوز أن يصومها عاما ويتركها عاما، ولا نقص في صيام رمضان بتركها، وله صيامها من أول شوال ووسطه أو آخره. والله أعلم.
« الأفضل صيام الست من شوال بعد العيد متتابعة » :
س130: هل يجب على من أراد صيام الست من شوال أن يصومها متتابعة أم يجوز تفرقتها في أول الشهر وأوسطه وآخره؟
الجواب: صيام هذه الستة سنة وليس واجبا، والأفضل صيامها بعد العيد متتابعة؛ لقوله في الحديث:
«من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» لكن يجوز صيامها متتابعة ومتفرقة، كما يجوز صومها من أول الشهر أو من أوسطه أو من آخره؛ فإن ذلك كله يحصل به الصيام المطلوب فإن خرج الشهر قبل صيامها لعذر من مرض أو سفر أو نفاس فلا مانع صيامها بعده. والله أعلم.
« صيام ستة أيام من شوال لقضاء أيام من رمضان » :
س131: إذا صمت ستة أيام من شوال لقضاء أيام من رمضان، هل يكفي عن صيام ست من شوال؟
الجواب: ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر» ؛ وفي هذا دليل على أنه لا بد من إكمال صيام رمضان الذي هو الفرض، ثم يضيف إليه ستة أيام من شوال نفلا لتكون كصيام الدهر، وفي حديث آخر: «صيام رمضان بعشرة أشهر وستة أيام من شوال بشهرين» ؛ يعني أن الحسنة بعشر أمثالها، وعلى هذا فمن صام بعض رمضان وأفطر بعضه لمرض أو سفر أو حيض أو نفاس، فعليه إتمام ما أفطره بقضائه من شوال أو غيره مقدما على كل نفل من صيام الست أو غيرها، فإذا أكمل قضاء ما أفطره شرع له صيام الست من شوال ؛ ليحصل له الأجر المذكور، فلا يكون صيامها قضاء قائما مقام صيامها نفلا كما لا يخفى.
« حكم صيام ستة أيام من شوال » :
س132: ما حكم صيام ستة أيام من شوال ؟
الجواب: يستحب صيام الست من شوال، وقد وردت فيها أحاديث كثيرة، عن أبي بن كعب، وعن أبي أيوب، وعن غيرهما.
فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر » وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- صومها مع صوم شهر رمضان قائما مقام الدهر؛ فقال -عليه الصلاة والسلام- : «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ست من شوال بشهرين، وذلك صيام الدهر» والقول باستحباب صوم هذه الست هو قول جمهور العلماء.
أما الإمام مالك -رحمه الله- فإنه لم يرَ صومها مع روايته لحديث أبي أيوب المتقدم؛ وذلك لأنه لم يجد أهل المدينة يصومونها.
ولكن نقول: إنه لا يلزم من عدم صومهم عدم مشروعية صيامها، فإنهم قد لا يصومونها إما أنهم لم يشتهر عندهم الحديث، وإما أنهم لم يتفرغوا لصيامها، وإما أنهم تركوها للدلالة على عدم الوجوب، أو نحو ذلك من الأعذار.
« عاشرًا: الاعتكاف » :
الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والإقامة الطويلة عنده، وغالبا أنهم يقيمون عنده تعظيما له؛ ولهذا كان المشركون يعتكفون عند معبوداتهم.
قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام- : ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [سورة الأنبياء، الآية: 52]. ؛ ومعنى عاكفون أي مقيمون عندها.
واعترف المشركون بأنفسهم، فقال الله -تعالى- عنهم: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ [سورة الشعراء، الآية: 171]. وأخبر -تعالى- عن بني إسرائيل بقوله -تعالى- : ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ﴾ [سورة الأعراف، الآية: 138]. ؛ ومعنى يعكفون أي يطيلون القيام عندها، والعكوف لا بد أن يكون تعظيما للبقعة والمكان الذي يعتكف فيه، فإن كان عبادة لله وطاعة فهو محمود، كالاعتكاف في المساجد، قال -تعالى- : ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [سورة البقرة، الآية: 187]. وقال -تعالى- : ﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ﴾ [سورة البقرة، الآية: 125].
وإن كان ذلك المقام محظورا الاعتكاف فيه، لأنه تعظيم لمخلوق مثلا، لم يجز، فالاعتكاف عند القبور تعظيما لها يكون شركا؛ لأنه بمنزلة اعتكاف المشركين عند معبوداتهم؛ لأن الذين يعكفون عند القبور يكون دافع الاعتكاف عندهم تعظيم القبور، أما الذين يعكفون في المساجد، فإن دافع الاعتكاف عندهم عبادة الله وطاعته.
أما معنى الاعتكاف في الاصطلاح فهو: لزوم مسجد لطاعة الله، فلا بد لمن أراد أن يعتكف في المسجد أن تكون نيته طاعة لله، أما الذين يتخذون المسجد للسكنى، كما يفعل بعض الفقراء، فإنه لا يسمى معتكفا.
قوله: لطاعة الله المراد بالطاعة هنا جميع أنواع الطاعات؛ لأن على المعتكف أن يكثر من الطاعات والقربات، ومن الطاعات التي يتقرب بها المعتكف الصيام، فإذا اعتكف نهارا فإنه يتأكد عليه أن يصوم، ومنها التهجد، ومنها الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر الآيات والتفكر فيها، ومنها كثرة ذكر الله- جل وعلا- من التهليل والتسبيح والتكبير والحوقلة والاستغفار وما أشبه ذلك.
ومنها التفكر في آلاء الله وفي آياته، والتفكر في مخلوقاته وفي نعمه على عباده، ومنها الإكثار من الدعاء؛ فيدعو الله ويبتهل إليه، ويتوسل إليه بأسمائه وبصفاته؛ ليكون أقرب إلى إجابة دعائه. فعلى المعتكف أن يعمر وقته بأنواع الطاعات والقربات، وكذلك عليه أن يتجنب ما يشغله عن هذه الطاعة؛ فمثلا لا يخرج من المسجد لغير حاجة ولا يشتغل بالدنيا ولا بأمور الدنيا، ولا يفتح باب الزيارة فيأتيه الناس ويتحدثون إليه، بل عليه أن يشتغل بنفسه ولا يجعل مكانه أو زاويته متحدثا؛ فإن هذا ينافي حقيقة الاعتكاف، إلا أن يكون هناك حاجة وضرورة، فإن صفية -رضي الله عنها- زارت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف وتحدثت معه قليلا، ثم قامت وقام معها ليردها إلى بيتها.
روي عن بعض السلف أنه عرف الاعتكاف بقوله: الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق .
المراد بالعلائق: العلاقات التي بين المعتكف وبين الناس في المعاملات والزيارات؛ فعلى المعتكف أن يقطع تلك العلائق عن كل الخلائق حتى عن أبنائه، فلا يفتح لهم المجال ليأتوا إليه للمزاح والكلام ونحو ذلك؛ لأجل أن يتصل بخدمة الخالق. هذا هو حقيقة الاعتكاف.
فائدة:
أركان الاعتكاف ثلاثة:
1- المعتَكِف: المسلم.
2- المعتَكَف: المسجد.
3- المعتَكَف له: طاعة الله.
« حكم الاعتكاف » :
س133: ما حكم الاعتكاف ؟ وهل يجوز في غير المساجد؟
الجواب: الاعتكاف سنة، وهو لا يصح إلا في المساجد؛ أولا: لأن الله -جل وعلا- قال:﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [سورة البقرة، الآية: 187]. وقال -تعالى- : ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ﴾ [سورة البقرة، الآية: 125]. والبيت هو المسجد الحرام
ثانيا: أنه إذا اعتكف في غير المسجد فإنه يؤدي إلى ترك الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد، وتركها ذنب كبير، أو يؤدي إلى أن يخرج إلى الصلاة في كل وقت، وكثرة الخروج والتردد ذهابا وإيابا ينافي الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف ملازمة المعتَكَف.
« تهاون أكثر الناس في سنة الاعتكاف » :
س134: هنالك سنة قد تهاون فيها أكثر الناس ألا وهي سنة الاعتكاف فما توجيهكم؟ وما شروط الاعتكاف ؟ وما يجوز وما لا يجوز؟ وهل يجوز للمرأة أن تعتكف ؟ وأين يكون؟
الجواب: الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله، وهو سنة مؤكدة في كل زمان، ويتأكد في العشر الأواخر من رمضان، كما روت عائشة -رضي الله عنها- : «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده »وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما » .
قال ابن رجب في اللطائف: وإنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في هذه العشر قطعا لأشغاله، وتفريغا لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حجرا يتخلى فيها عن الناس.
ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكِف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه وهو الخلوة الشرعية لهذه الأمة؛ وإنما كان في المساجد لئلا يترك به الجمعة والجماعات، فالمعتكِف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.
فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إليه بالكلية على كل حال .
ولا يصح الاعتكاف إلا بشروط:
1- النية: لحديث: «إنما الأعمال بالنيات .. » .
2- أن يكون في مسجد؛ لقوله -تعالى- : ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [سورة البقرة، الآية: 187]. وكان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في مسجده.
3- أن يكون ذلك المسجد مما تقام فيه صلاة الجماعة؛ حتى لا يتكرر خروجه لكل وقت مما ينافي الاعتكاف.
ولا يخرج المعتكف إلا لما لا بد له منه، ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة، ويحرم عليه مباشرة زوجته، ويستحب اشتغاله بالقربات واجتناب ما لا يعنيه، وله أن يتحدث مع من يزوره، وله أن يتنظف ويتطيب ويخرج لقضاء حاجة وطهارة وأكل وشرب إذا لم يجد من يأتيه بهما.
وأما المرأة فالأفضل في حقها البقاء في بيتها، والقيام بخدمة زوجها وولدها ولا يشغلها ذلك عن عبادة ربها، ولأن خروجها مظنة الفتنة بها، وفي انفرادها ما يعرضها للفسقة وأهل الفساد، ولكن إن أمنت هذه المفاسد، وكانت كبيرة السن، وكان المسجد قريبا من أهلها ومحارمها؛ جاز لها الاعتكاف فيه، وعلى ذلك يحمل اعتكاف زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده لقربهن من المسجد.
وبالجملة لا يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو مصلاها فيه، ويصح في كل مسجد ولو لم يكن فيه جماعة مستمرة، ويكره خروجها وانفرادها محافظة على نفسها. والله أعلم