معنى سوء الخاتمة:
"سوء الخاتمة على رتبتين: إحداهما أعظم، وهو: أن يغلب على القلب -والعياذ بالله-
شك، أو جحود عند سكرات الموت وأهواله؛ فيقتضي ذلك العذاب الدائم.
والثانية دونها، وهي: أن يسخط الأقدار، ويتكلم بالاعتراض، أو يجور في وصيته،
أو يموت مصرًا على ذنب من الذنوب" (مختصر منهاج القاصدين).
أو يختم له بتعلق بالدنيا.
فسوء الخاتمة أن "يختم له بما يوجب له الخلود في نار جهنم،
أو بما يوجب له دخولها فترة ـ إن لم يغفر له الله جل وعلا ـ"
(التحذير من سوء الخاتمة للسحيباني).
التخويف من سوء الخاتمة:
"كم سمعنا عمن آمن ثم كفر، وكم رأينا من استقام ثم انحرف"
. (التحذير من سوء الخاتمة).
أخرج البخاري من طريق أبي غسان قال: حدثني أبو حازم
عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ ـ
عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ ـ فِيمَا يَرَى النَّاسُ ـ
عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِـ وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا»
[رواه البخاري ومسلم]، وفي موضع آخر: «وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» [رواه البخاري].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ:
«إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ،
ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ؛ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ،
وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ،
فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ،
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ؛ فَيَدْخُلُهَا،
وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ،
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَيَدْخُلُهَا» [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفيه الحث على الاستعاذة بالله -تعالى
- من سوء الخاتمة" فتح الباري.
لم لا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» [رواه مسلم]
، وفي لفظ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ؛ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ» [رواه أحمد، وصححه الألباني].
قال ابن القيم -رحمه الله-:
"العمر بآخره، والعمل بخاتمته، من أحدث قبل السلام؛
بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس؛ ذهب صيامه ضائعًا،
ومن أساء في آخر عمره؛ لقِي ربه بذلك الوجه" (الفوائد).
وانظر إلى أدعيته -صلى الله عليه وسلم-؛ تعرف مدى اعتنائه بهذا الأمر:
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:
«يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني].
ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم-:
«وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ»
[رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني].
قال الخطابي -رحمه الله-: "هو أن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا، فيضله،
ويحول بينه وبين التوبة، أو يعوقه عن إصلاح شأنه، والخروج من مظلمة تكون قبله،
أو يوئسه من رحمة الله، أو يكره الموت، ويتأسف على حياة الدنيا،
فلا يرضى بما قضاه الله من الفناء، والنقلة إلى الدار الآخرة؛ فيختم له بالسوء،
ويلقى الله وهو ساخط عليه" (معالم السنن 1/ 257،258)،
ونقله عنه بنحوه السيوطي في شرحه على النسائي (8/282،283).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من فتنة المحيا والممات:
«وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» [متفق عليه].
قال ابن حجر -رحمه الله-: "قوله:
«فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»،
قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا:
ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات،
وأعظمها -والعياذ بالله-: أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يُراد بها:
الفتنة عند الموت أضيفت إليه؛ لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا
ـ على هذا ـ: ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها: فتنة القبر" (فتح الباري).
وقال العيني -رحمه الله-: "وفتنة المحيا: أن يفتتن بالدنيا، ويشتغل بها عن الآخرة،
وفتنة الممات: أن يخاف عليه من سوء الخاتمة عند الموت وعذاب القبر
مما يعرض له عند مساءلة الملكين، ومشاهدة أعماله السيئة في أقبح الصور
ـ أعاذنا الله منه بمنه وكرمه ـ" (عمدة القارئ).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ
«مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ» [رواه البخاري ومسلم].
قال السندي -رحمه الله-: "قوله:
«وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ»: الدَرَك ـ بفتحتين،
وحكي سكون الثاني ـ: اللَّحاق، والشقاء ـ بالفتح والمد ـ: الشدة، أي: من لَحاق الشدة،
وقال السيوطي: والمراد بالشقاء: سوء الخاتمة ـ نعوذ بالله منه ـ" السندي على النسائي.
"كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها
{عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}
[الغاشية: 3-4]،
كم مَن شارَفَ مركبُه ساحلَ النجاة فلما هَمَّ أن يرقى لعب به موج الهوى؛
فغرق، الخلق كلهم تحت هذا الخطر، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن
يقلبها كيف يشاء، قال بعضهم: "ما العجب ممن هلَك كيف هلَك؟،
إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟" لطائف المعارف.
ها هو عبيد الله بن جحش أسلم ثم "مات نصرانيًّا بأرض الحبشة،
وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بعده
" "الإصابة (7/4)، وانظر جلاء الأفهام (276،280)"، فهل من خائف؟! وهل من معتبر؟!
