تفرقت حمير على ملكها حسان , وخالفت أمره ؛ لسوء سيرته فيهم , ومالوا إلى أخيه عمرو , وحملوه على قتل حسان , وأشاروا عليه بذلك , ورغبوه بالملك , ووعدوه حسن الطاعة والمؤازرة , فنهاه ذو عين ( حجر بن يريم بن زيد ) من بين حمير عن قتل أخيه , وعلم أنه إن قتل أخاه ندم ونفر عنه النوم , وانتقضت عليه أموره , وأنه سيعاقب الذي أشار عليه بذلك , ويعرف غشهم له .
فلما رأى ذو عين أنه لا يقبل ذلك منه وخشي العواقب قال :
ألا من يشتري سهرا بنوم ..... سعيد من يبيــت قرير عين
فإما حمير غـدرت وخانت ..... فمعـــذرة الإله لـــذي عين
ثم كتب البيتين في صحيفة , وختم عليها بخاتم عمرو , وقال : هذه وديعة لي عندك إلى أن أطلبها منك , فأخذها عمرو ودفعها إلى خازنه , وأمر برفعها إلى الخزانة , والاحتفاظ بها إلى أن يسأل عنها .
فلما قتل أخاه , وجلس مكانه في الملك منع منه النوم , وسلط عليه السهر ؛ فلما اشتد ذلك عليه , لم يدع باليمن طبيبا ولا كاهنا , ولا منجما , ولا عرافا ولا عائفا , إلا جمعهم ثم أخبرهم بقصته , وشكا إليهم ما به . فقالوا له ما قتل رجل أخاه أو ذا رحم منه على نحو ما قتلت أخاك إلا أصابه السهر , ومنع منه النوم !
فلما قالوا له ذلك أقبل على من كان أشار عليه بقتل أخيه وساعده من أقيال حمير فقتلهم وافناهم .
فلما وصل إلى ذي عين قال : أيها الملك ؛ إن لي عندك براءة مما تريد أن تصنع بي .
قال : وما براءتك وأمانك ؟ قال : مر خازنك أن يخرج الصفيحة التي استودعتكها يوم كذا وكذا .
فأمر خازنه فأخرجها , فنظر إلى خاتمه عليها ثم فضها , فإذا فيها البيتــان .
<< ألا من يشتري سهرا بنـــــوم >>
ثم قال له : أيها الملك ؛ قد نهيتك عن قتل أخيك , وعلمت أنك إن فعلت ذلك أصابك الذي أصابك , فكتبت هذين البيتيـن براءة لي عندك مما علمت أنك تصنع بمن أشار عليك بقتل أخيك !
فقبل ذلك منه وعفا عنه , وأحسن جائزته .