كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة ، وكانت باليمامة . وكانت
لها غلة عظيمة كثيرة ، عَيْشُه وعيش أهله منها .
فلما وَلِيَ الخلافة قال لمُزَاحم مولاه : إني عزمتُ أن أردَّ السَّهلة إلى بيت مال المسلمين . فقال
مُزاحم : أتدري كم وَلَدُك ؛ إنهم كذا وكذا !
فذرفت عيناه ، فجعل يمسح الدمعة بإصبعه الوسطى ، ويقول : أَكِلُهُمْ إلى الله ، أَكِلُهُم إلى الله .
فمضى مُزاحم ، فدخل على عبد الملك ابنه ، فقال له : ألا تعلمُ ما قد عزم عليه أبوك ، إنه يريد
أن يردَّ السَّهْلة . قال : فما قلتَ له ؟ قال : ذكرتُ له ولدَه ؛ فجعل يستدمع ويمسح الدمعة
بإصبعه الوسطى ، ويقول : أَكِلُهُمْ إلى الله
.
فقال عبد الملك : بئسَ وزيرُ الدين أنت ! ثم وثبَ وانطلق إلى أبيه ، فقال للآذن: استأذن لي
عليه . فقال : إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة . فقال : استأذنْ لي عليه . فقال : أما ترحمونَه
؟ ليس له من الليل والنهار إلا هذه الساعة . قال : استأذِنْ لي عليه ، لا أُمّ لك !
فسمع عمر كلامهما ، فقال : ائذن لعبد الملك ، فدخل فقال : علامَ عزمتَ ؟
قال : أردّ السّهلة ! قال : فلا تؤخّرْ ذلك . قم الآن ، فجعل عمر يرفعُ يديه ، ويقول : الحمد لله
الذي جعل لي من ذرّيتي من يُعينني على أمر ديني . نعم ، يا بنيّ ؛ أصلِّي الظهر ، ثم أصعد
المنبر ، فأردّها علانية على رؤوس الناس .
قال : ومَن لك أن تعيشَ إلى الظهر ، ثم من لك أن تَسْلَمَ نيتك إلى الظهر إن عشتَ ! فقام عمر
، فصعد المنبر وخطب الناس ، وردَّ السّهلة .