06-05-2010, 10:20 PM
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|
هكذا كانوا في الليل!
 |
|
 |
|
هل من الممكن أن يصير الليل المظلم مُشرق الأنوار؟
أو يتعطر الصمت المطبق بآيات القرآن؟.
نعم، يمكن أن يتبدد السكون الموحش
بانحناء الأصلاب وسجود الجباه،
ويتبلل الجفاف اليابس بدموع الأسحار، وخشوع القلوب،
وتزكية الأنفس زكية، وذكر الألسن،
وسهر الأعين، وجباه ساجدة، وجنوب متجافية.
إنه مساء الصالحين وليل العابدين.
إنها همة المتهجدين ولذة المتضرعين.
إنه أنس المنفردين وحب المخلصين.
إنها مجاهدة السالكين ومكابدة المرابطين؛ الله أكبر،
ما أروع هذا الليل وما أحبه وما أمتعه وما أروعه.
أين هذا الليل من نوم طويل وركون ثقيل وغفلة تامة؟
إنه قيام الليل أيها النائمون،
اسمعوا النداء ممن عمروه بالطاعات، وملئوه بالصلوات.
فهذا "زمعة العابد"
كان يقوم فيصلي ليلا طويلا
فإذا كان السَحَر نادى بأعلى صوته:
" يا أيها الركب المعرسون،
أَكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا تقومون فترحلون"،
فإذا طلع الفجر نادى:
" عند الصباح يحمد القوم السرى"
[صفة الصفوة 2/229-230].
ليلة بينهم..
بل دعني وإياك نقضي ليلة معهم.
هذا أبو هريرة رضي الله عنه
يقسمون الليل ثلاثا، يصلي هذا
والشعار لا للفرش الوثيرة،
إنهم الموصوفون بأبلغ قول وأعظم صورة في
قوله تعالى:
** تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفا وَطَمَعا }
يرسم القرآن لهم " صورة المضاجع في الليل
تدعو الجنوب إلى الرقاد والراحة والتلذذ المنام
ولكن هذه الجنوب لا تستجيب؛
لأن لها شغلا عن المضاجع اللينة
والرقاد اللذيذ شغلا بربها، شغلا بالوقوف في
حضرته،
وفي طمع يتنازعها الخوف والرجاء"
لا أنام الله عيني
استمع إلى يزيد الرقاشي وهو يقول:
"إذا نمتُ فاستيقظتُ ثم عدتُ في النوم فلا أنام الله عيني"
، وتأمل هذا الحوار مع الفراش
حيث كان عبد العزيز بن أبي رواد
" يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل،
فكان يضع يده على الفراش ويتحسسه
ما ألينك، ولكن فراش الجنة ألين منك
هؤلاء القوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ
مشغولون بالتوجه إلى ربهم،
وتعليق أرواحهم وجوارحهم به،
ينام الناس وهم قائمون ساجدون،
ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن
ولله در الفضيل بن عياض وهو يعرض وضعا شعوريا
" أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد هذا
الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب
ليس هذا لكِ، قومي خذي حظكِ من الآخرة.
ولا تنس أنهم كانوا بذلك التعب يتلذذون،
وبالقيام يفرحون، وبعيون غير أعيننا إلى الليل ينظرون.
فهو عندهم موطن تنتعش فيه الأرواح،
وتبتهج وترتاح، وتتقلب بين مسرات وأفراح،
وتكثر من المساءلة والإلحاح.
فهي قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها،
وتقتبس من أنوار تلك القربات،
وما يَرِدُ عليها في تلك المقامات "
ولذا جاءت وصاياهم وقد عملوا،
وتذكيرهم وقد اعتبروا، وحثهم وقد سبقوا،
فها هو الحسن ينادي بكم قائلا:
" كابِدوا الليل، ومدوا الصلاة إلى السحر
ثم اجلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار"
اسجد واقترب
" قصدتُ الجنيد فوجدتُه يصلي فأطال جدا،
قد كبرتَ وَوَهَنَ عَظْمُكَ
ولو اقتصرتَ على بعض صلاتك،
فقال: اسكت، طريق عرفنا به ربنا،
لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه،
** وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }،
ومن ترك طريق القرب يوشك أن يُسلَك به طريق
البعد"
ويجدد أبو سليمان الداراني هذا الفقه،
" أهل الليل بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم،
ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا،
ولو لم يعط الله تعالى أهل الليل في ثواب صلاتهم
إلا ما يجدون من اللذة فيها
لكان الذي أعطاهم أفضل من صلاتهم
في ظلمة الليل للعباد أنوار ***
منها شموس ومنها فيه أقمار
تسري قلوبهم في ضوئهن إلى ***
ذاك المقام ومولاهم لهم جار
تخالهم ويك موتى لا حراك بهم ***
إن ينطقوا فتلاوات وأذكار ***
مستيقظين لذي الذكرى فكلهم ***
ولم يستثقلوا القيام لأن النفوس راغبة،
والنوايا صادقة، والخشية غامرة،
" وإذا قوي الباعث وكثرت الرغبة،
وعظمت الرهبة، نشطت النفس وخف الجسد،
وذل الصعب، وهانت المؤنة "
وإليك الترجمة العملية لذلك
فيما قاله رجل لحممة العابد:
" ما أتتني صلاة قط إلا وأنا مستعد لها ومشتاق إليها،
وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت
إذا انصرفت منها أشوق إليها مني حيث كنت فيها،
ولولا أن الفرائض تقطع لأحببت
أن أكون ليلي ونهاري قائما راكعا ساجدا "
شوق وظمأ
فذلك هو الشوق والتعلق والذوق والتعبد.
عندما تراها ظامئة للعبادة،
ترتشف ولا ترتوي، تزيد ولا تحيد.
وتغترف ولا تنصرف، تنصب ولا تتعب،
إذ " كان صلة بن أشيم يقوم الليل
حتى يفتر فما يجيء إلى فراشه إلا حبوا "
ويقتدي المؤمنون حقا في قيام الليل
بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
** يَاأَيهَا الْمُزملُ * قُمِ الليْلَ إِلا قَلِيلا } وناداه مولاه:
** وَمِنَ الليْلِ فَتَهَجدْ بِهِ نَافِلَة لَكَ }،
فقام ليله بلا مزيد عليه وسئل عن إتعاب نفسه
ومن هنا جاء وصفهم بلسان الحسن
" صحبت أقواما يبيتون لربهم
في سواد هذا الليل سجدا وقياما،
يقومون هذا الليل على أطرافهم،
يناجون ربهم في فكاك رقابهم،
لم يَمَلُوا كلال السهر لما قد خالط قلوبهم
من حسن الرجاء في يوم المرجع،
فأصبح القوم بما أصابوا من النصب لله في أبدانهم فرحين
فرحم الله امرأ نافسهم في مثل هذه الأعمال،
ولم يرض من نفسه لنفسه بالتقصير في أمره
باليسير من فعله،
فإن الدنيا عن أهلها منقطعة،
والأعمال على أهلها مردودة "
ثم يبكي حتى تبتل لحيته بالدموع
[التهجد وقيام الليل ص 340-341].
" هكذا كانوا.. فهل نكون ؟ |
|
 |
|
 |
|
|
|
|