تحول المصنع الذي يعبر الوحيد على مستوى المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج ، إلى مزار سياحي يحرص زوار منطقة حائل بشمال السعودية على المرور به قبل مغادرة المنطقة التي ارتبطت منذ قديم الأزل ، بحاتم الطائي أحد رموز الكرم العربي . وهو الفارس والشاعر والسخي الجواد الذي تحتضن حائل قبره ، وكانت شاهدة على مسلسلات كرمه التي غدت أقرب إلى الأساطير .
أما المصنع الذي تحول إلى مزار سياحي ، فهو المصنع الوحيد الذي يعمل على تصنيع " دلال " القهوة العربية التي تحتاج إلى مهارة من نوع مختلف سواء من حيث إعدادها أو التفنن في تنويع الأدوات التي تستخدم في طهوها ، تمهيدا لتقديمها إلى الضيوف ، تعبيرا عن الحفاوة والترحاب .
فعلى مساحة لا تتجاوز 40 مترا مربعا ، يتربع مصنع " دلا القهوة العربية " الوحيد في السعودية الذي ربما يحوي أنواعا من تلك الدلال ، تصل أسعارها إلى أكثر من 100 ألف ريال ، حسب الأدوات التي تستخدم في تصنيعها ، حتى باتت لها تقاليد خاصة تمثل التعبير عن الكرم من جانب وعن حفاوة بالضيوف من جانب آخر .
وإن أردت البحث في التاريخ الشعبي السعودي القديم ، ودخلت أحد أهم جوانبه ، والحديث هنا عن الشعر الشعبي في المنطقة لوجدت ذكر القهوة العربية حاضرا في كثير من القصائد ، التي تطرز بذكر القهوة تعبيرا عن الكرم والفخر ولتكاتف في بعض الأحيان . بيد أن القهوة العربية هي الأخرى ، ترتبط من جانب آخر ببعض الأساسيات التي ترتكز عليها صناعة الأدوات التي تقدم بها في المناسبات أفراحا كانت أم أحزانا . وتصنيع دله القهوة العربية يحتاج لأنواع خاصة من معدن النحاس حتى تخرج في النهاية بدلة تعرف في المنطقة بالذات باسم " القريشية " وهي النوع الأشهر والأكثر رواجاً من بين أنواع القهوة العربية .. ولقد ارتبط اسم القريشيات بأحد أبناء منطقة حائل واسمه جار الله الخطيب الذي كان أحد رموز ضواحي جنوب حائل ، في قصر عشروات وهي القرية التي أضفى عليها الخطيب شهرة وجوده فيها ، كونه أحد أبنائها .
وبحسب صحيفة " الشرق الأوسط " احتكار الخطيب تصنيع هذه الأنواع جعل بعض صناعة حائل التقليدية ترتبط بشكل أو بأخر بها ، وقاد شبه الاحتكار هذا إلى تصاعد أسعار بعض من أنواعها ، حتى تجاوز أفخرها حدود 120 آلف ريال .
وبحسب التقرير الإخباري الذي أعده الزميل فريح الرمالي ونشرته صحيفة " الشرق الأوسط " في عددها الصادر هذا اليوم السبت .. يرى سعد الشمري من ابناء منطقة حائل ارتباطا وثيقا بين تصنيع دلال القهوة العربية ومنطقته . وللعلم يحتاج تصنيع الدلال في مصنع حائل الذي شيد عام 1985 إلى ثلاثة ايام لإنجاز واحدة من الــ " قريشيات الأصلية " وشرح الشمري قائلا " إن كثيرين من محبي هذا النوع يقطعون ، ربما آلاف الكيلومترات من أجل شراء طقم دلال كامل من هذا النوع الفريد الذي لا تمتلكه غير منطقة حائل .
وأضاف الشمري " المصنع له زبان يحضرون إليه من بعض دول الخليج فكثيرون يأتون من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت للحصول على هذا النوع الخاص من دلال القهوة ، وبات المصنع حقا محل اهتمام زوار حائل من الخارج ، لدرجة أن محبي القهوة العربية الأصيلة والتراث العربي الأصيل يرونه أشبه بالمزار السياحي الذي يعرض ما ارتبط بالتاريخ القديم لأبناء الجيل الحالي " هذا ويملك المصنع في أحد جنباته واحد من أكثر الدلال على مستوى العالم وهي ذات وزن يفوق 60 كيلو غراما ويعود تاريخها للدولة العثمانية ، واثبت ذلك وجود بعض الزخارف التي تحاكي تلك الحقبة الزمنية .
وبالنسبة لطقوس استقبال الضيف في حائل تعد " النار والدلة " في صميم هذا الطقوس للتعبير عن الفرحة بقدومه وتكون البداية بإيقاد النار التي لا يخلو من مكان لإيقاد منزل أي من سكان المنطقة ، وهو ما يسمى بــ " الكمار " حيث تشعل فيه بشكل كبير تعبيرا على الترحاب والحفاوة بالضيف ، وكانت قديما تتفي بغرض الدعوة عند أهل القرى . ومن ثم يباشر بإعداد القهوة بحمسها على النار بواسطة المحماسة وبعد الانتهاء من حمسها وتبريدها يصار إلى دقها لتصبح حبات صغيرة بواسطة " النجر " الذي تدق به حبات القهوة حتى تنعم ، ومن ثم تجري إضافتها للماء في الدلة التي تعرف بالمطباخة وتطبخ على النار حتى تسكب في دلة آخرى تسمى " المبهارة " وبعدها يضاف لها الهيل والزعفران وقليل من الفرنفل الذي يعرف محليا بالمسمار وبعد ان تطبخ لوقت محدد يسكب جزء منها بعد ذلك بعزل البهارات عنها لدلة المصابة لتقدم للضيف .