((نــبراس شـــمر)) أحد كبار شيوخ القبيله بالباديه السوريه وذوا مكانه عاليه في قلوب الرجال النبلاء وذوا قلم أدبي مبدع
لنقلب تجارب القرن الماضي ..
ثمة من يعتقد بأن الحياة تتطور بشكل تصعب السيطرة عليها , بحيث أن التكيف مع هذه الحياة يفرض التنازل عن أشياء كثيرة , وفي مقدمتها التقاليد والعادات , وما دامت الحياة في تطور دائم , واللحاق بها مستمر وسريع , فكيف إذن نتكيف مع الحياة . وفي ذات الوقت نحافظ على ما نريد الحفاظ عليه ؟
قيمة هذا الرأي في أنه هادئ وغير منفعل , وحريص على أن لا نفقد ما نعتز به , لكن تضخيم التطور , والمبالغة في السرعة قد أدت لأن تتركب في الأذهان صورة غير واقعية عن واقع يمكن تصوره بصورة صحيحة .
فتطور الحياة إذا وضع الإنسان أمام استخدامات متعددة وسبل جديدة على صعيد العلاقات واستثمار الطبيعة , إلا أن الشيء الباقي الوحيد في هذه الحياة هو ذات الإنسان بمشاعره وأحاسيسه وعواطفه وغرائزه . وإذا افترضنا أن الإنسان الذي عاش قبل قرون عديدة هو نفس الإنسان اليوم في ما يتعلق بالخلقة بجانبها الغرائزي والشعوري , وهو افتراض صحيح , فإن ركوب السيارة والقطار والطائرة لا يلغي الغريزة أو العاطفة , بقدر ما تفرض هذه الأشياء تبدل في حياة الإنسان على الصعيد الخارجي أما في العمق فإن الإنسان هو ذات الإنسان . من هنا يمكن استيعاب تطور الحياة في جانبها المادي , بصفتي إنسان أحمل مشاعر وأحاسيس معينة . ولا نعتقد أن هناك ما يحمل الإنسان على انتزاع ذاته .
إن وصف الإنسان ب ( اللحم والدم ) هو وصف دقيق للغاية , لأنه يركز على الأشياء التي ترسم سلوك الإنسان وتعاطيه مع الحياة . وفي العلم الحديث , بات من المؤكد أن قضايا مثل البيئة , والوراثة , والتربية التي تتصل بالتقاليد والعادات والقيم . . تلعب دورا أساسيا في بلورة الإنسان من الداخل , أما فيما يتعلق بتعامل الإنسان مع ما حوله , فهذا يتصل بقدرة الإنسان على تصور مصلحته , التي هي دافع حركته في الحياة , والمصلحة هي في حقيقتها استجابة لمشاعر عميقة وبالتالي نستطيع الإستنتاج أن فطرة الإنسان وكما تخضع الإنسان لبحث المصلحة , فهي تخضعه أيضا لتحقيق المتعة من خلال هذه المصلحة . والمتعة ذات صلة دقيقة بالوجدان , وما دام وجدان الإنسان مرتبط أساسا بماض وحاضر معا , فكيف يمكن سحق جانبا من الوجدان بذريعة أن ( السرعة ) في التطور تفرض انقطاعا مفترضا مع الماضي .
إن الإنسان وحينما يستسيغ الانسلاخ لدرجة التشوه والانحراف , يتحول إلى شيء خارج قوانين الطبيعة وفاقدا لإنسانيته . والحياة المتطورة دوما هي للبشر الذين يبلغون بإنسانيتهم درجة رفيعة , أما ( المنسلخون ) فهم دوما وأبدا عبء ثقيل على الحياة . وشاهدنا على ذلك الأرقام الكثيرة التي تتحدث عن الجرائم والانحرافات السلوكية الخطيرة لدى شريحة معينة في المجتمعات الصناعية التي دفعت بالحرية كي تصل إلى حد الانفلات .
وما دام القرن الجديد قد أطل علينا فلتقلب تجارب القرن الماضي بهدوء وبعيدا عن الانفعال , لنجد أن الحياة بحاجة إلى إنسانية تطغى على السلوك . والتصور معا.. إنسانية قيمتها من تراثنا الإنساني الذي يظل شاهدا على ما نقول .
اتمنى لكم الفائدة