كان المعتضد يوماً جالساً في بيت يُبنى له ، وهو يشاهد الصّناع ، فرأى في جملتهم عبداً أسود
مُنكر الخَلق ، شديد المرح ، يصعد على السلاليم مِرقاتين مِرقاتين ، ويحمل ضعف ما يحمل
غيره فأنكر أمره ، وأحضره ، وسأله عن سبب ذلك ، فلَجْلَجْ . فقال لوزيره : قد خمّنتُ في هذا
تخميناً ما أحسبه باطلاً ، إما أن يكون معه دنانيرقد ظفر بها من غير وجهها ، أو يكون لصّاً
يتستّر بالعمل . ثم قال : عليَّ بالأسود ، فأحضره وضربه ، وحلف إن لم يصدُقْهُ ليضْرِبَنَّ عنقه .
فقال الأسود : ولي الأمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ، إلا ما كان من حدّ ؛ فظنَّ انه قد أمّنه .
فقال : كنتُ أعمل في أَتّون الآجُرّ منذ سنين ، فأنا منذ شهور جالس إذ مرّ بي رجل في وسطه
كيس ؛ فتبعته وهو لا يعرف مكاني ، فحلّ الهِمْيَان ، وأخرج منه ديناراً ، ، فتأملته فإذا كله
دنانير فكتّفته ، وسددت فاه ، وأخذت الهِمْيان ، وحملته على كتفي ، وطرحته في التّنور ، وطيّنت
عليه . فلما كان بعد أيام أخرجت عظامه وطرحتها في دجلة ، والدنانير معي تقوي قلبي .
فأرسل المعتضد من أحضر الدنانير ، وإذا على الكيس : (( لفلان ابن فلان )) فنادى في المدينة
، فحضرت امرأته ، وقالت : هذا زوجي ، وقد ترك طفلاً صغيراً ، خرج في وقت كذا ومعه كيس
فيه ألف دينار ، فغاب إلى الآن ، فسلم الدنانير إليها ، وضرب عنق الأسود ، وأمر أن يوضع
في الأتُّون .